بمناسبة (أسبوع القدس العالمي) لنصرة المسجد الأقصى وفلسطين؛ نذكر المسلمين في هذا المقال ببعض إنجازات القائد العظيم صلاح الدين والتي من أهمها معركة حطين تلك المعركة الحاسمة في تاريخ الحرب الإسلامية الصَّليبية؛ إذ فقدت مملكة بيت المقدس قوَّاتها العسكرية الرئيسية في هذه المعركة، كما تمَّ تدمير أكبر جيش صليبي أمكن جمعه منذ قيام الكيان الصَّليبي، وأضحى صلاح الدين القائد المنتصر في هذه المعركة على الصَّليبيين صاحب السيادة على العالم الإسلامي بأسره.
لقد استطاع صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ أن يوحِّد الأمَّة، ويجمعها على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيل الله، وتحرير البلاد الإسلامية، فأصبحت الشام، ومصر، والحجاز، واليمن، والعراق تحت إمرته، وقيادته، وحشد لهـذه المهمة العلماء، والفقهاء، والجيوش، والألوف من المجاهدين، وفي مقدِّمتهم العلماء، والفقهاء يحرِّضون المقاتلين على القتال، وكوَّن جيشاً برياً قوياً، وأنشأ أسطولاً بحرياً، وأنفق عليه أموالاً طائلةً. لتندلع واحدة حطين إحدى أهم المعارك المفصلية في تاريخنا الإسلامي، وكان لهذا الانتصار أسباب كان القائد صلاح الدين يعمل عليها ويعد بها جيشه وقوته طيلة فترة حكمه، ومن هذه الأسباب:
1. الإعداد وسنة الأخذ بالأسباب: لقد استطاع صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ أن يوحِّد الأمَّة، ويجمعها على كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيل الله ، وتحرير البلاد الإسلامية ، فأصبحت الشام ، ومصر ، والحجاز ، واليمن ، والعراق تحت إمرته ، وقيادته ، وحشد لهـذه المهمة العلماء، والفقهاء، والجيوش ، والألوف من المجاهدين ، وفي مقدِّمتهم العلماء ، والفقهاء يحرِّضون المقاتلين على القتال ، وكوَّن جيشاً برياً قوياً ، وأنشأ أسطولاً بحرياً مصرياً ، وأنفق عليه أموالاً طائلةً. (صلاح الدين الأيوبي، عبد الله علوان ص 121)
2 ـ سنَّة التدرُّج ووحدة الأمَّة: فقد قدَّم أمراء السَّلاجقة الكثير من أجل دحر الصَّليبيين ، وقد حقَّق عماد الدين زنكي إنجازاً عظيماً بوضعه لمشروع رائدٍ ، ربما رأى الكثيرون ـ في ذلك الوقت ـ استحالة تحقيقه على بساطته، وهو مشروعه الوحدوي التحرُّري ، والذي حقَّق ابنه نور الدين جُزْأَهُ الأوَّل ، وحقَّق صلاح الدين قسماً مُهمَّاً من جُزئه الثاني ، ولذلك نرى انتصار صلاح الدين في حطِّين تتويجاً لمشروع عماد الدين الوحدوي التحرُّري ، فلولا متابعة نور الدين لِخُطى والده في توحيد الشَّام، ثم توحيد مصر مع الشَّام؛ لما تحقَّق هـذا النَّصر الذي تمَّ بفضل الله ، وجهود التوحيد؛ التي قامت على عقيدة الإسلام الصَّحيحة؛ التي تدعو للوحدة الإسلاميَّة؛ التي لا تفرِّق بين جنس ، أو لونٍ، أو طائفةٍ ، وإنما جمعتهم الأخوَّة في الله؛ التي لم تفرِّق بين الأتراك ، والأكراد ، والعرب ، والفرس، ولا غيرها من الأمم التي انضوت تحت راية الإسلام. فلم تأت انتصارات صلاح الدِّين من فراغ، ولم تكن النتائج إلا ولها مقدِّمات.
3 ـ بعد نظر صلاح الدين وحنكته السياسة: من الملاحظ: أنَّ صلاح الدين الأيوبي كان يدرك أهمية العمل المزدوج: توحيدا الجبهة الإسلامية ، وجهاد الصليبيين؛ نظراً لما بينهما من اتصالٍ وثيق ، وممَّا يذكر هنا: أنَّ عام 1186 م/582 هـ شهد الاتفاق مع عز الدين مسعود صاحب الموصل على أن يكون تابعاً له ، ولذلك استطاع أن يُخضع الأربع مدن الإسلامية الرئيسية الَّتي تحكَّمت في الظهير البري ، وهي: القاهرة ، ودمشق ، وحلب ، والموصل ، وجميعها سيكون لها شأنها البارز في مشروع الجهاد (الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ص 215) ، ومن زاويةٍ أخرى لا تُغفل: أنَّ الصليبيين وعلى رأسهم ريموند الثالث كونت طرابلس اتجهوا إلى عقد هدنة مع صلاح الدين ، وذلك عام 1185 م/581 هـ مدتها أربع سنوات.
4 ـ تطبيق الشريعة وبركاتها في دولة صلاح الدين: يخبرنا التاريخ: أنَّ صلاح الدين ـ رحمه الله ـ حينما تولى الإمارة ، والسَّلطنة قد تاب إلى الله توبةً نصوحاً ، وهجر أسباب المعاصي ، ووسائل اللَّهو المحرَّم ، وندم على كل ما وقع منه في مراهقته ، فأقبل على الله تعالى بتوبةٍ صادقة ، واشتغل بالطَّاعات ، فأكثرمن العبادة ، وقد علَّم جنوده ، وغيرهم ، وربَّاهم على حسن الصِّلة بالله تبارك وتعالى ، والوقوف عند حدوده ، وهجر معاصيه ، والإقبال على طاعته ، وكان يهتمُّ بالشريعة ، وعلمائها ، ويطبِّق الأحكام الشرعية على الرعيَّة ، ويسوسها بالعدل، والسَّوية ، ويقمع أهل الضلالة، والفساد ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويتواضع للناس ، ولا يحابي محباً ، ولا يظلم مبغضاً ، بل كان يتجاوز عن المبطل إذا خاصمه بالباطل ، ويحيطه بكرمه ، وحسن أخلاقه ، وكان يأمر أهله ، وقواده بتوثيق الصلة بالله ، وبكتابه تلاوةً ، وحفظاً ، وتدبُّراً ، وعملاً ، وكان يوصي أبناءه بتقوى الله ، وطاعته ، ويذكِّرهم بالموت ، وما بعده.
وتأمَّل معي هـذه الوصية لولد من أولاده ـ الذين بلغوا سبعة عشرة ذكراً ـ وهو الملك الظاهر: أوصيك بتقوى الله تعالى، فإنَّها رأس كلِّ خير ، وامرك بما أمرك الله به ، فإنَّه سبب نجاتك ، وأحذِّرك من الدِّماء ، والدخول فيها، والتقلُّد لها ، فإنَّ الدَّم لا ينام. أوصيك بحفظ قلوب الرَّعية، والنظر في الدَّولة ، وأكابرها ، فما بلغتُ ما بلغتُ إلا بمداراة الناس. ولا تحقد على أحدٍ، فإن الموت لا يبقي أحداً. واحذر ما بينك وبين الناس ، فإنَّه لا يغفر إلا برضاهم وما بينك ، وبين الله يغفره الله بتوبتك إليه ، فإنَّه كريم. (دروس وتأمُّلات في الحروب الصليبية ص 180)
5 ـ العدل: إنَّ العدل أساس الملك ، ولهـذا أمر الله رسوله القيام به ، فقال:﴿وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ﴾ [الشورى:15] كما قال تعالى: ﴿۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ﴾[النساء: 135] . وقال تعالى: ﴿كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ ﴾[المائدة: 8] وقال تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ﴾ [النساء: 58] والعدل في الرعية ، وإيصال الحقوق إلى أهلها ، وإنصاف المظلوم يبعث في الأمة العزَّة ، والكرامة ، ويولِّد جيلاً محارباً ، وأمَّةً تحرَّرت إرادتها بدفع الظلم عنها ، رعية تحبُّ حكَّامها ، وتطيعهم؛ لأنهم أقاموا العدل على أنفسهم ، وأقاموا العدل على غيرهم ، وأما الظلم؛ فهو ظلماتٌ في الدنيا ، والاخرة ، وهو يؤذن بزوال الدُّول ، ولهـذا حرمه الله على نفسه ، وجعله محرماً بين خلقه ، فقال تعالى في الحديث
|
القدسي: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً ، فلا تظالموا». وقال تعالى: ﴿۞ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْوَأَزۡوَٰجَهُمۡ ﴾[الصافات: 22] وقال تعالى: ﴿فَتِلۡكَ بُيُوتُهُمۡ خَاوِيَةَۢ بِمَا ظَلَمُوٓاْۚ﴾[النمل: 52] .
6 ـ الاستعانة بالعلماء واستشارتهم في الحرب والإدارة: كان صلاح الدين يلازم العلماء ، ويجالسهم ، ويستشيرهم في الحرب ، والإدارة ، ويستمع إلى نصائحهم ، ويقدِّرها ، وكان يعتمد على بعضهم في إدارة ممالكه، وكان أكثرهم مرافقةً له في السَّراء والضرَّاء ، وفي حلَّه ، وترحاله القاضي الفاضل ، تأمَّل حديثه ، وتحليله لأهم أسباب النصر بعد توفيق الله تعالى حين يقول: ما فتحتُ البلاد بالعسكر ، وإنما فتحتُها
|
بكلام الفاضل. فالقاضي الفاضل كان يقدم له الرأي الحصيف ، والقول السديد ، والقرار الحكيم ، وكان يصدقه في الرأي ، والحرب ، والمكيدة ، والسياسة ، والحكم. قال ابن كثير: وكان القاضي الفاضل بمصر يدبِّر الممالك بها ، ويجهِّز إلى السُّلطان ما يحتاج إليه من الأموال ، وعمل الأسطول ، والكتب السلطانية.
7 ـ حسن الصلة بالله: كان صلاح الدين كثير العبادة ، والدعاء ، والرجاء في نصر الله ، وعونه ، وكان يأمر الناس بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، ويحضُّهم على الطَّاعة ، والعبادة ، ويتقدَّمهم في ذلك ، ويهيأى لهم الفرصة لتزكية النفوس ، والانشغال بتلاوة القران ، وتدبُّره ، وحفظه ، وكان حريصاً على صلاة القيام ، وكثرة الذكر ، ويحضُّ أمراءه، وجنده على ذلك. فكان رحمه الله يجلس إلى العلماء ، ويقرأ عليهم القران ، ويستمع منهم إلى تفسيره ، ويجلس إلى أهل الحديث ، يتفقَّه عليهم فقه الحديث ، ويستمع إلى الفقهاء ، والعلماء وكان يُحْضِرُ العلماء ، والفقهاء والمفسرين؛ ليعلِّموا الجيش كتاب ربِّهم ، ويفقهوهم في دينهم ، ويوثِّقوا صلتهم بربهم. وكان ـ رحمه الله ـ يأمر جنوده في الخيام أن يقوموا في اللَّيل ، وأن يذكروا الله ذكراً كثيراً ، وكان يتفقَّد خيام الجند ، فإذا وجد خيمةً غفل أهلها عن القيام ، والذِّكر، وتلاوة القران؛ أيقظهم ، وذكرهم بضرورة الإكثار من ذكر الله، وعبادته ، وطاعته. وهـذه الأمور من أهمِّ عوامل النَّصر على العدوِّ. (دروس وتأملات في الحروب الصليبية ص 185)
ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: " صلاح الدين الأيوبي"، للدكتور علي الصلابي، واستفاد المقال كثيراً من معلوماته من كتاب: " دروس وتأملات في الحروب الصليبية"، للدكتور منذر الحايك.
المراجع:
- صلاح الدين ، عبد الله علوان ، دار السلام مصر.
- العلاقات الدولية في عصر الحروب الصليبية، د منذر الحايك.
- الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ، محمد مؤنس ، الطبعة الأولى 1999 م/2000 م ، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والإجتماعية ، مصر.
- دروس وتأمُّلات في الحروب الصليبية، محمد أبو فارس.