تميزت شخصية السلطان صلاح الدين الأيوبي برصيدٍ أخلاقيٍّ كبير ، ساعده على تحقيق أهدافه العظيمة ، والتي من أهمِّها: الشجاعة ، والكرم ، والوفاء ، والتسامح ، والحلم ، والعدل ، والعفو ، والمروءة ، وشدَّة لجوئه إلى الله ، ومحبته للجهاد ، وصبره، واحتسابه ، وحرصه على العلم ، والتواضع… وقد تميزت خطابات هذا القائد العظيم بصفة غالبة وهي التوجيه الأخلاقي التربوي، والحث على الالتزام بالفضيلة والتذكير بالتعاليم الإسلامية السامية، ومن هذه المضامين التي نلمسها في توجيهات صلاح الدين في رسائله كقائد سياسيٍّ ، وزعيم إسلاميٍّ الآتي:
1 ـ التدُّين بطاعة ولي الأمر:
يقول في صدد الحديث عن طاعته للخليفة العباسي: ونحن لا نتدَّين إلا بطاعة الإمام ، ولا نرى ذلك إلا من أركان الإسلام. ويقول: وقد عرف ما فضلنا الله تعالى به عليهما في نصر الدولة ، وقطع من كان ينازع رداءها. (أثر جهود صلاح الدين التربوية في تغيير واقع المجتمع المصري ص82)
2 ـ تصفية الرموز البدعية من منابر الدعوة:
ويقول حول تطهير المنابر من دعاة الشيعة: وتطهير المنابر من رجس الأدعياء ، ولم نفعل ما فعلنا لأجل الدنيا ، فلا معنى للاعتداد بما الجزاء عنه بالحسنى ، فتوقع في العقبى ، غير أنَّ التحدُّث بنعم الله واجب. (أثر جهود صلاح الدين التربوية ص38)
3 ـ النهي عن التعصُّب للمذاهب:
حيث قال في رسالة إلى أخيه العادل الذي كان نائباً عنه في مصر ، وقد حصل بعض الشغب من بعض الأفراد: انتهى إلينا بالديار المصرية ، والحضرة العليَّة: أنَّ جماعةً من الفقهاء ، قد اعتضدوا بجماعة من أرباب السيوف ، وبسطوا ألسنتهم بالمنكر من القول غير المعروف ، وأنشؤوا من العصبية ما أطاعوا فيه القوى البغيضة ، وأحيوا بها ما أماته الله من أصل حمية الجاهلية ، والله سبحانه يقول: وكفى بقوله حجَّةً على من كان سميعاً مطيعاً: {وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ} [آل عمران: 103] . ولم يزل التعصب للمذاهب يملأ القلوب بالشَّحناء ، ويشحنها ، وقد نهى الله عن المجادلة لأهل الخلاف ، فكيف بأهل الوفاق إلا أن يقال أحسنها ، وما علمنا أنَّ في ذلك نية تنجد ، ولا مصلحة توجد ، وليس يسع الخَلَف ما وسع السَّلف من الأدب ، وليعلم العبد أن يكتب كتاباً إلى ربِّه ، فليكفر فيما كتب ، وإلى مَنْ كتب. (كتاب الروضتين، 2/178)
4 ـ الحث على فضيلة العدل والإحسان للرَّعية:
وكان يحرص على توجيه ولاته بقوله: فليعدل في الرعية الذين هم عنده ودائع ، ليجاوز بهم درجة العدل إلى إحسان الضَّائع ، فإذا أسند هذا الأمر إلى ولاته؛ فليكونوا تقاةً ، لا يجد الهوى عليهم سبيلاً ، ولا يجد الشيطان عندهم مقيلاً ، وإذا حملوا ثقلاً؛ لا يجدون حمله ثقيلاً؛ حيث يقول: وقد فشا في هذا الزمن أخذ الرشوة ، وهي محق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبذه ، ونهى عن أخذه ، وعن الرغبة في تداوله ، وهو كأخذ الربا الذي قرنت اللَّعنة بمؤكِّله واكله.
5 ـ الاهتمام بأمر القضاء:
حيث يقول: وأما القضاة الذين هم للشريعة أوتاد ، ولإمضاء أحكامها أجناد ، ولحفظ علومها كنوز لا يتطرق إليها النفاذ ، فينبغي أن يعوَّل فيهم على الواحد دون الاثنين ، وأن يستعان بهم في الفصل بذي الأيدي ، وفي اليقظة بذي اليدين ، وأمر الحكام لا يتوَّلاه من سأله ، وإنما يتولاه من غفل عنه ، وأغفله. ولقد حرص صلاح الدين على العودة إلى الأصول المتمثلة بالكتاب والسنة ، وحافظ على هذه الأصول من خلال الجهود ، وذلك بتصفية البدع ، والمخالفات الشرعية ، وقام بصيانة المناهج ، وعمل على وحدتها ، ونشر مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية ، وربط الأمة بواقعها من خلال عقيدتها الصحيحة ، فانطلقت لتحقيق الانتصارات العظيمة ، والرائعة: من تحرير البيت المقدس ، وغيرها من الفتوحات.
__________________________________________________
المراجع:
- ملاحظة: استقى المقال مادته من كتاب” صلاح الدين الأيوبي”، للدكتور علي الصلابي، واستفاد المقال كثيراً من معلوماته من كتاب: “أثر جهود صلاح الدين التربوية في تغيير واقع المجتمع المصري” لخالد محمد حمدان.
- تحذير المسلمين من الابتداع والبدع في الدين، أحمد بن حجر البنعلي.
- التاريخ السياسي والفكري، عبد المجيد أبو الفتوح البدوي.
- أثر جهود صلاح الدين التربوية في تغيير واقع المجتمع المصري، خالد محمد حمدان.