د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس
قال عنه الذهبي: الوزير الكبير، نظام الملك، قوام الدين، أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، عاقل، سائس، خبير سعيد متدين، محتشم، عامر المجلس بالقراء والفقهاء، وأنشأ المدرسة الكبرى ببغداد، وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس، ورغب في العلم، وأدرَّ على الطلبة الصلات، وأملى الحديث، وبعد صيته.( الذهبي،1982، ج19، ص94) تنقلت به الأحوال إلى أن وزر للسلطان ألب أرسلان، ثم لابنه ملكشاه، فدبر ممالكه على أتم ما ينبغي، وخفف المظالم، ورفق بالرعايا، وبنى الوقوف، وهاجرت الكبار إلى جانبه، وأشار إلى ملكشاه بتعيين القواد والأمراء الذين فيهم خلق، ودين، وشجاعة، وظهرت آثار تلك السياسة فيما بعد، ومن هؤلاء القواد الذين وقع عليهم الاختيار آق سنقر جد نور الدين محمود، الذي ولي على حلب وديار بكر، والجزيرة، قال عنه ابن كثير: من أحسن الملوك سيرة وأجودهم سريرة .( ابن كثير، 1998،ج12، ص157)
1 ـ ضبطه لأمور الدولة:
لما تولى ملكشاه أمور الدولةِ انفلت أمر العسكر وبسطوا أيديهم في أموال الناس، وقالوا: ما يمنع السلطان أن يعطينا الأموال إلا نظام الملك، وتعرض الناس لأذى شديد، فذكر ذلكَ نظام الملك للسلطان، وبين له ما في هذا الفعل من الضعف، وسقوط الهيبة والوهن ودمار البلاد، وذهاب السياسة، فقال لهُ: افعل في هذا ما تراهُ مصلحة، فقال لهُ نظام الملك: ما يمكنني أن أفعل إلاّ بأمرك، فقال السلطان: قد رددت الأمور كلها كبيرها وصغيرها إليك، فأنتَ الوالد، وحلف له، وأقطعهُ إقطاعاً زائداً على ما كان، وخلع عليهِ، ولقبهُ ألقاباً من جملتها: أتابك، ومعناهُ الأمير الوالد، وفظهرت من كفايته وشجاعته وحسن سيرته ما أثلج صدور الناس، فمن ذلك أن امرأة ضعيفة استغاثت به، فتوقف يكلمها، وتكلمه، فدفعها بعض حجَّابه، فأنكر ذلك عليه، وقال: إنما استخدمتكَ لأمثال هذه، فإن الأمراء والأعيان لا حاجة لهم إليك، ثم صرفهُ عن حجابته .
2 ـ التصور النظري للدولة عند نظام الملك:
كان النظام مؤمناً بالإسلام مقدساً لتعاليمه كما كان شغوفاً بعلومه محترماً لأعلامه حتى صارَ دينهُ ودولتهُ على السواء، وإن كلاًّ منهما يكمل الآخر كما تستكمل الأرض بالسماء، ولفرط تهميشِ النظام للدين وشدة دفاعه عن الدولة يحار، فإنه يرى الدولة وسيلة من وسائل نشر الإسلام، وإذاعتهِ بين الناس، وقد ظهر علماء كرام في عهد النظام، بينوا ارتباط الدين بالدولة، بحيث صار وسيلة لها وغاية في انٍ واحدٍ، فالإمام الغزالي والماوردي يقولان: إنه ليس دين زال سلطانه إلاّ بدلت أحكامهُ، وطمست أعلامه، وكان لكلِّ زعيمٍ فيهِ بدعة، كما أن السلطان إن لم يكن على دين تجتمعُ به القلوب، حتى يرى أهل الطاعةِ فيهِ فرضاً والتناصر له حتماً .( الطوسي، 1987، ص412)
وقيل: الدين أسٌّ، والسلطان حارس. وما لا أسَّ له فمهزوم، وما لا حارس له فضائع .
وشاعت هذه المقولة أيضاً في شرق العالم الإسلامي، وأخذ يردّدها الطرطوشي، وابن خلدون، وغيرهم في غربه، وبذلكَ الدافع من إيمانه القوي في الدين واعتقاده الراسخ في إصلاحهِ للحياة الفانية، وبذلك اليقين من أعماق نفسه بضرورة الدولة العادلة لرعاية الناس وإسعادهم كتب رسالته في السياسة ووضع فيها الأسس العامة للدولة الجديدة التي كان، ولم يزل يدأب من أجلها ويضع الخطط اللازمة لتكوينها، وما كان النظام خيالياً حالماً وهو يخطط لمعالم دولته المنشودة، كمن يرسم صورة زيتية على ورقة بيضاء استجابة لداعي الفن، أو كمن سبقه من أصحاب الجمهوريات، والمدن الفاضلة، وإنما كان أقرب إلى الواقع منه إلى الخيال .( الطوسي، 1987، 413)
وقد انطلقت رؤيته للدولة من أصول المذهب السني، والتي نظّر لها علماء عصره، كالغزالي، والجويني ـ وهؤلاء دعمهم النظام دعماً معنوياً ومادياً
3 ـ اهتمام نظام الملك بالتنظيمات الإدارية:
اهتمَّ نظام الملك بالتنظيمات الإدارية، فكان اليدَ الموجهةَ لأداء الدولةِ في عهدِ السلطان ألب أرسلان، واتسعت سلطاته في عهد السلطان ملكشاه، (الزهراني، 1986، ص172) فأشرف بنفسهِ على رسم سياسة الدولة الداخلية والخارجية بشكل كبير، مستفيداً من فهمهِ ومعرفته لنظم الإدارة، وقد تضمن كتاب (سياست نامه) الذي ألفهُ هذا الوزير في الآراء والنظريات الإدارية التي تعتبر أساساً لنظام الحكم وإدارة الدول والممالك . ويظهر من خلال كتاب (سياست نامه) أهم الطرق الإدارية التي اتبعها الوزير نظام الملك في إدارتهِ للدولة السلجوقية، ويأتي في مقدمتها وقوفه بشدة ضد تدخل أصدقاء السلطان المقربين في شؤون الدولة، حتى لا يتسبب ذلكَ في اضطراب إدارتها .
وقد نجح نظام الملك في إحباط عدد من المؤامرات ضد الحكومة المركزية بفضل ما كانَ يصل إليهِ عن طريق أولئكَ المخبرين ، كما عملَ نظام الملك على الحد من استغلال الموظفين والعمال لسلطاتهم، حتى لا يرهقوا الرعية بالرسوم والضرائب الباهظة، وكان يغير الولاة والعمال مرة كل سنتين، أو ثلاث، ضماناً لعدم تلاعبهم في أعمالهم، ولما ألغى السلطان ألب أرسلان وظيفة (صاحب البريد) ووظيفة (صاحب الخبر) ، رتب وزيرهُ نظام الملك في كل مدينة رجلاً نزيهاً لمراقبة الوالي والقاضي والمحتسب ومن يجري مجراهم من الموظفين وموافاتهم بأخبارهم أولاً بأول، كذلكَ كان نظام الملكِ يدقق في اختيار الموظفين، فيختارُ من كان منهم أغزر علماً وأزهدُ نفساً وأعفُ يداً وأقل طمعاً.( الطوسي، 1987، ص102)
وكان يختار لوظيفتي (صاحب البريد) و(صاحب الخبر) أناساً لا يرقى الشك إليهم لحساسية هذا العمل، ويتم تعيينهم من قبلِ السلطان نفسه، وكان نظام الملك يصرف مرتبات مجزية لموظفي الدولة، خشية أن يضطر الموظفِ إلى الاختلاس من مال الدولة، أو يستغل منصبه ويتسلط على أموال الرعية .( الزهراني، 1986، ص174)
كما كان حريصاً على مراجعة حسابات الدولة في نهاية كل عام لمعرفة الداخل والمنصرف والموازنة بينهما، ولكي يضمن هذا لنظام الملك تنفيذ خطته الإدارية بدقة استعان بعدد من كبار موظفي الدولة المخلصين والأكفاء، وكوَّن منهم ما يشبه المجلس الاستشاري، مهمته فيما يبدو دراسة ما يعرض عليه من أمور هامة، ووضع الحلول الملائمة لها، ومن ثم متابعة تنفيذها بدقة، وكانت شؤون دولة السلاجقة قبل تولي نظام الملك الوزارة غير منظمة، فتطرق الخلل إلى إدارة الولايات التابعة لها، وساءت الحالة المالية فيها نتيجة لخراب أراضيها، ولعدم قيام المشرفين عليها بما تحتاجُ إليهِ من عمارة وإصلاح، فلما جاء نظام الملك إلى الوزارة نظم شؤون تلك الولايات، وعمر أراضيها، وأقر سلطة الدولة من النواحي التي كادت أن تخرج من حظيرتها.( الزهراني، 1986، ص174)
مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، مؤسسة إقرا، القاهرة، 2006، صص 150-153
شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1402 هـ/ 1982م..
ابن كثير، البداية والنهاية، مركز البحوث والدراسات بدار هجر مصر، الطبعة الأولى 1419 هـ.-1998
نظام الوزارة في الدولة العباسية، الدكتور محمد مسفر الزهراني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1406 هـ 1986 م.
نظام الملك الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، سياست نامة، أو سير الملوك، ترجمة يوسف حسين بكار، دار الثقافة، قطر 1407 هـ 1987 م.